-A +A
حمود أبو طالب
كان مؤكداً أن صباح سوريا الجديد سيبدأ، فقد طال ليلها واشتدت حلكتها، وجفّت ينابيعها وشاخت نواعيرها وذبل ياسمينها وترهلت ملامحها الجميلة، لكنها صبرت وآمنت أن القدر سيمحو في يوم ما تلك الحقبة الكالحة من تأريخها، وأن شعبها العريق لن يستسلم للقهر والإذلال والتشريد مهما طال الوقت. وها هي دمشق تستقبل صباح الثامن من ديسمبر لتطوي صفحة أكثر من نصف قرن من عبث البعث، وتبدأ صفحة تأريخ جديد نتمنى أن يكون لائقاً بأحلامها وآمالها.

ومع أن التغيير إلى الأفضل في ظل الظروف الراهنة ليس سهلاً إلا أنه ممكن، والبداية في سوريا تشير إلى أن الشعب قد تعلم جيداً من المتاعب التي تعرض لها، والتجارب التي حدثت في بلدان أخرى. لم تُسفك دماء في الطريق من حلب إلى دمشق، قوات النظام السابق لم تقاوم الزحف لأنها تعرف أنه نظام فاسد لا يستحق الدفاع عنه، والشعب لم يعد له هم سوى التخلص من النظام أولاً، ولذلك تضامن مع فصائل التحرير وساندها حتى وصلت إلى قصر الحكم في قلب دمشق وأعلنت رسمياً انتهاء نظام بشار وطغمته وأعوانه، وبدأت تطهير التراب السوري من أوضار الغرباء الذين نصبهم النظام السابق أوصياء عليه وعلى الشعب. اليوم الأول من التغيير كان جيداً بالحرص على عدم التخريب والانتقام وتصفية الحسابات وبقاء مؤسسات الدولة واستمرار إدارتها والدعوة إلى التفاف كل الأطياف حول الوطن في هذه اللحظة التأريخية الفاصلة، وذلك ما نأمل تحقيقه.


الفصائل المسلحة وعدت بأنها سترهن المستقبل لإرادة الشعب في إقامة نظام حكم مدني والحفاظ على مقدرات الوطن حتى يتسنى تحقيق ذلك، وهذا ما يجب أن تفعله إذا كانت منطلقاتها خالصة لوجه الوطن. لقد أكد زعيم الفصائل أنه لا يجب تقييمها أو الحكم عليها في هذه المرحلة استناداً إلى جذور ماضيها وفكره وايديولوجيته، وإنما إلى أفعالها وواقعها الآن وما تقوم به تجاه الوطن والشعب. دعونا نحسن الظن ونمنحهم الفرصة لتأكيد ما وعدوا به، المهم الآن أن الشعب السوري تنفس الصعداء، وفتح أبواب السجون وخرج يحتفل بالحرية التي سُلبت منه.